بدايةً،
دعوني استعرض معكم هذه الحادثة:
كثيراً ما نسمع عن تلك الشركات والأرباح الكبيرة السهلة بمجرد انضمامنا لها، وأنا شخصياً تعرضت عدة مرات من 2011 تقريباً لدعوات كثيرة من هذه الشركات، التي بدأت بالتكاثر يوماً بعد يوم مع الأزمات المتتالية في بلدنا، وتردي الوضع المعيشي للفرد.
لكن قبل ذلك مازلت أذكر في طفولتي ذلك الشخص الطويل ذو اللباس الأنيق حينها، وهو يتجول في أنحاء بلدتي الصغيرة، ويتحدث عن ذلك الـ CD الذي سيدر عليك الأموال عندما تنقله لغيرك، وعلى ما أذكر أن المبلغ الذي يخولك الدخول في هذه الشركة وقتها كان 25 ليرة سورية وتصبح فرداً من أفراد الشركة، ازدهرت حياة ذلك الشخص، وتجول حول البلدان مما شجع الكثير للدخول معه وبيع هذا الـ CD ولم أعد أذكر إن كانت بداخله أشياء مفيدة أم أنه فارغ. لكن أراه اليوم موظفاً في إحدى الدوائر الحكومية مجرداً من كل الهالة التي صنعتها له تلك الشركات بأساليب التسويق خاصتها على اختلاف تسمياتها.
واستذكرت معكم هذا الحدث حتى أضع نهاية لهذه الشركات وإن طال الزمان بها، ولن أقوم باستذكار أحداث عالمية داعمة لما سيتم عرضه، وسأكتفي بذكر هذه القصة فقط.
دعونا نجيب عن هذه الأسئلة، ونتعرف معاً على مفهوم التسويق بشكل يوضح لنا الفروق بينه، وبين أساليب التسويق الاحتيالية التي تتبعها هذه الشركات.
أولاً: ما هو التسويق؟
هنالك تعاريف كثيرة للتسويق، ولا يسعنا هنا ذكرها جميعها حيث سنكتفي بوضع بعض التعاريف وهي:
• التسويق (Marketing): هو مجموعة من العمليات أو الأنشطة التي تعمل على اكتشاف رغبات العملاء وتطوير مجموعة من المنتجات أو الخدمات التي تشبع رغباتهم وتحقق للمؤسسة أرباح خلال فترة زمنية مناسبة.
• من الناحية المجتمعية، التسويق هو: الرابط بين الاحتياجات المادية للمجتمع وبين الاستجابة لأنماط الاقتصاد من خلال توصيل قيمة منتج أو خدمة إلى العملاء.
• التسويق وظيفة عمل لمؤسسة ومجموعة من الأليات التي تخلق وتوصل القيمة إلى العملاء والتعامل مع العملاء بطريقة تفيد المؤسسة والمساهمين في رأس مالها.
• أما التسويق كعلم، فهو: عملية تحديد السوق المستهدف من خلال القيام بتحليل وتجزئة السوق وفهم توجهات العملاء وبتقديم قيمة عالية لهم.
هناك خمسة مفاهيم متضادة يمكن للمؤسسة أن تتبع إحداها عند اعتماد سياسات التسويق هي:
(مفهوم الإنتاج، ومفهوم المنتج، ومفهوم البيع، مفهوم التسويق، ومفهوم التسويق الكلي. وللأخيرة أربعة عناصر هي: تسويق العلاقات، التسويق الداخلي، والتسويق التكاملي، والتسويق استجابةً لمطلب اجتماعي.)
أما مجموعة التشابكات اللازمة لإدارة عملية تسويق ناجح فتشمل:
(تكوين فكرة واضحة عن التسويق، والتواصل مع العملاء، وبناء علامات تجارية قوية، وتشكيل وخلق نمو طويل الأجل، وتطوير وتوصيل القيمة، ووضع استراتيجيات وخطط مناسبة للتسويق.)
ثانياً: ما هو التسويق الالكتروني؟
ويسمّى أيضاً التسويق الرقمي (Digital Marketing)، والذي يشمل الإعلان الإلكتروني (Online Advertising) أو الإعلان عبر الإنترنت (Internet Advertising) أو الإعلان الشبكي (Web Advertising). وهو شكل من أشكال التسويق الذي يستخدم شبكة الإنترنت للترويج للمنتجات والخدمات، والذي يشمل إظهار الإعلانات على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي واستخدام محركات البحث والمدونات (Blogs) والمقالات المدفوعة والتسويق بالعمولة (ِAffiliate Marketing).
وعلى الرغم من اعتماده على الإنترنت بشكل أساسي إلا أنه يشمل استخدام الوسائل والقنوات الإلكترونية المختلفة مثل البريد الإلكتروني واللوحات الإعلانية الإلكترونية (Electronic Billboards) والرسائل القصيرة (SMS).
تظهر أهمية التسويق الإلكتروني باعتباره أسرع وصولاً للزبائن المستهدفين وأقل كلفة بالمقارنة مع وسائل التسويق التقليدية، كما أنه أكثر فاعلية من حيث مراقبة وقياس نتائج الحملات التسويقية بسبب وجود أدوات التحليل والقياس الإلكترونية المختلفة. ونتيجة لذلك، يعتبر التسويق الإلكتروني من أكثر أنواع التسويق نمواً وانتشاراً.
ثالثاً: ما هو التسويق المباشر؟
ويسمّى أيضاً تسويق الاستجابة المباشرة (Direct Response Marketing): وهو شكل من أشكال التسويق الذي تقوم الشركة من خلاله بالترويج لمنتجاتها أو خدماتها بشكل مباشر بدون الحاجة إلى وجود وسيط. بحيث تقوم بالتواصل المباشر مع العملاء المحتملين من خلال إرسال رسائل بريدية أو كتالوجات أو نشرات توضّح فيها المؤسسة كافة المعلومات التي تريد إيصالها للعميل عن منتجاتها وخدماتها.
وعادةً ما تستخدم الشركات ذات الميزانيات الإعلانية الصغيرة هذا النوع من التسويق لأنها لا تستطيع تحمّل تكاليف الإعلانات عبر شاشات التلفزيون أو الراديو.
هناك مزايا عديدة لعملية التسويق المباشرة، فهي تُمكّن الشركة من تسويق منتجاتها أو خدماتها بشكل مباشر للفئة المستهدفة، وتُمكّنها أيضًا من قياس النتائج بشكل سريع.
يُمكن تلخيص منافع أو مزايا استخدام التسويق المباشر بالنقاط التالية:
- خصخصة عملية استهداف فئة أو شريحة معيّنة من الجماهير.
- تحديد ميزانية التسويق الخاصة بالشركة.
- زيادة نسبة المبيعات مع العملاء الحاليين والسابقين.
- خلق فرص عمل جديدة.
- اختبار وتحليل النتائج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعاً: ما هو التسويق الهرمي؟
التسويق الهرمي أو مشروع الاحتيال الهرمي هو نموذج عمل غير مستقر هدفه جمع المال من أكبر عدد من المشتركين، بينما يكون المستفيد الأكبر هو المتواجد في رأس الهرم. يبدأ بشخص أو شركة في أعلى الهرم يتلخص عملها في إقناع الشخص بالاشتراك أو المساهمة بمبلغ مالي مع الوعد بإعطائه خدمات أو ربح رمزي إن استطاع إقناع آخرين بالاشتراك بعده، بهدف كلما زادت طبقات المشتركين حصل الأول على عمولات أكثر، وكل مشترك يقنع من بعده بالاشتراك مقابل العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها إذا نجح في ضم مشتركين جدد يلونه في قائمة الأعضاء. ويقوم هذا المشروع بالتركيز على عملية الانخراط وربطها بالبيع بغض النظر عن نوعية المنتوج نفسه.
خامساً: ما هو التسويق الشبكي؟
التسويق الشبكي هو نوع من تسويق المنتجات أو الخدمات مبني على التسويق التواصلي حيث يقوم المستهلك بدعوة مستهلكين آخرين لشراء المنتج (سلعة) في مقابل عمولة، ويحصل أيضاً المستهلك الأول على نسبة من العمولة في حالة قيام العملاء ببيع المنتج لآخرين بحيث يصبح المستهلك على قمة هرم ويصبح لديهِ شبكة من الزبائن المشتركين بأسفله، أو عدد من العملاء قام بالشراء عن طريقهم، فالمنتج الذي تسوقهُ هذهِ الشركات مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح.
استخدمت هذه الطريقة بدءًا من منتصف القرن العشرين، واستعانت بها بعض الشركات نظراً لما تحققه من مبيعات عالية لمنتجاتها وتكلفتها أقل.
تحولت هذه الطريقة في الآونة الأخيرة إلى طريقة لتحقيق الأرباح فقط ولم تعد مجرد وسيلة من وسائل التسويق، مما جعلها محط انتقاد الكثيرين نظراً لإضافة منتجات وسلع لا قيمة لها أو زائدة عن قيمتها الأصلية، ويلجأ المستخدم لشرائها ليس بهدف الاستفادة منها بل من أجل السعي وراء الربح، مما يجعل المستخدمون على قمة الهرم يحققون أرباح خيالية بينما القاعدة الأكبر من العملاء في هذه الطريقة قد لا يحرزوا أي مكسب في النهاية.
سادساً: ما هو البيع المباشر؟
يتكون البيع المباشر من نموذجين تجاريين رئيسيين:
التسويق على مستوى واحد، حيث يكسب البائع المباشر المال عن طريق شراء منتجات من مؤسسة رئيسية وبيعها مباشرة للعملاء.
والتسويق متعدد المستويات (المعروف أيضًا باسم التسويق الشبكي أو التسويق من شخص لآخر)، حيث يمكن للبائع المباشر كسب المال من كل المبيعات المباشرة للعملاء ومن خلال رعاية البائعين المباشرين الجدد واحتمال ربح عمولة من جهودهم.
وفقًا للجنة التجارة الفيدرالية (FTC): “البيع المباشر مصطلح شامل يشمل مجموعة متنوعة من نماذج الأعمال التي تستند إلى البيع من شخص لآخر في مواقع أخرى غير مؤسسة البيع بالتجزئة، مثل منصات وسائل التواصل الاجتماعي أو منزل مندوب المبيعات أو العميل المحتمل. “
يشمل البيع المباشر الحديث المبيعات التي تتم من خلال خطة الحفلة، والعروض التوضيحية الفردية، وترتيبات الاتصال الشخصية الأخرى بالإضافة إلى مبيعات الإنترنت. وقد حددت بعض المصادر البيع المباشر على أنه: “العرض الشخصي المباشر، والشرح، وبيع المنتجات والخدمات للمستهلكين، عادةً في منازلهم أو في وظائفهم”.
حيث يتم استخدام هذا الأسلوب في التسويق على تحويل المستهلكين إلى مسوقين أو موزعين، وذلك عن طريق تكوين مجموعة من الشبكات البشرية التي تقوم بدورها بنشر هذا المنتج اعتماداً على الثقة بين الأشخاص وهذا ما يعني أن أسلوب التسويق بالبيع المباشر هو نفسه التسويق الشبكي والذي يتم استخدامه في أساليب احتيالية وهو الاسم الجديد إن صح التعبير للتسويق الهرمي أو الشبكي. فيقوم باستخدامه المحتالون لتحقيق مكاسب شخصية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- أخيراً:
إذاً بعد أن تعرفنا على هذه المفاهيم ندرك الفروق بين مفهوم التسويق، وأساليب التسويق الاحتيالية التي تتبعها هذه الشركات، حيث كما هو واضح لنا الآن أن هذه الأساليب تهمل القيمة من المنتج الذي يتم التسويق له مما يعني غياب شرط أساسي من علم التسويق، وبالتالي تشويه مفهوم التسويق.
وهذا ما يجعلنا ندعوا كل الذين تورطوا في هذه الأساليب الاحتيالية إلى التوقف عن مزاولة هذا النشاط، والاقتناع بما حققوه من خسارة في هذا الوقت حتى لا يتورطوا أكثر فأكثر، وتزداد خسارتهم، ويساهموا في خسارة أشخاص مقربين منهم.
وعليك أن تعلم بأن هذه الشركات سوف تزول عاجلاً أم أجلاً، وأن هذه السلاسل التسويقية مصنفة تحت بنود الاحتيال وهي ممنوعة ويحاسب عليها قانونياً في كثير من الدول، كما أن للدين رأي فيها فهي محرمة شرعاً، لكن يجدر الإشارة إلى أن دول كسوريا وماليزيا لم تضع قوانين ضابطة لهذه الشركات حتى الآن مما ساهم في توسع نشاطها وبقائها إلى هذا الوقت.
وإن كنت ترغب في العمل بالتسويق فهنالك أساليب تسويق حقيقية ومضمونة كالتسويق الالكتروني…، وخصوصاً في هذا الوقت الذي يعاني منه العالم بعد جائحة فيروس كورونا مما ساهم في تعزيز دور التسويق الالكتروني وزيادة أهميته، ولديك الكثير من المصادر والطرق، والمساقات التعليمية التي تساعدك على تحقيق أرباح حقيقية ومشروعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#المراجع:
– كتاب مبادئ التسويق، جامعة دمشق – د. علي الخضر، د. غياث الترجمان، د. محمد خالد الجاسم، د. سامر المصطفى.
– بزنس ريفيو
– بزنس انسايدر
– لجنة التجارة الفدرالية
– ويكبيديا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه صورة قمت برسمها توضح آلية عمل التسويق الشبكي والخسارة الكبيرة التي يتلاقها الأفراد في المستويات الدنيا من السلسلة الهرمية أو الشبكية:
بقلم الاستاذ
هاني خزعل.
باحث في الاقتصاد والاداره