التنور التكنولوجي.. البُعد الغائب في حياة أولادنا


لقد أصبحت التكنولوجيا اليوم عاملاً مؤثرًا في كل جوانب حياتنا، وذلك بفضل التطور المستمر في شبكات الانترنت وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، والذي انعكس على تنوع استخداماتها، ونمو عدد المستخدمين لها في مجتمعاتنا العربية، وذلك في كل الميادين والمجالات سواء في المنزل أو المدرسة والجامعة أو العمل.

وتشير تقارير اقتصاد المعرفة العربي الصادرة عن مؤسسة أورينت بلانيت للأبحاث Orient Planet Research إلى نمو عدد مستخدمي شبكة المعلومات الدولية “الانترنت” في العالم العربي، فعلى سبيل المثال قد وصل عدد المستخدمين إلى 224 مليون مستخدم في بدايات عام 2018م، حيث قفز هذا الرقم من حوالي 37,5 % في عام 2014م إلى أكثر من 55 % في عام 2018م (1).

وكذلك تزايد معدلات استخدام التكنولوجيا وفقًا لمؤشر الاتصالات العالمي، الذي تصدره شركة “هواوي” الصينية سنويًا، والذي أكد النمو العالمي والعربي في مجالات العرض والطلب والخبرات والإمكانات المتاحة، وأن دول العالم العربي تحتل مراكز متقدمة، مثل: الإمارات العربية المتحدة وقطر والسعودية ومصر والمغرب والجزائر (2).

واستجابة لهذا التطور والنمو المتزايد لأعداد المستخدمين العرب وخاصة صغار السن للتكنولوجيا وتطبيقاتها المتنوعة، تكثر مطالب التربويين وأولياء الأمور بضرورة استغلال ذلك في تعليم الأبناء، ولذلك تبرز قضية أساسية تدور حول قدرة الطلاب على استخدام التكنولوجيا، والتفاعل معها بعقلية دينامية قادرة على فهم متغيراتها، وتوظيفها بما يخدم عملية التطور المجتمعي في المجالات المختلفة، بمعنى هل يمتلك أولادنا معارف ومهارات وقيم تتيح لهم الاستخدام الفعال، وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من التطورات التكنولوجية من حولنا؟، الأمر الذي يتطلب طرح موضوع التنور التكنولوجي لدى أولادنا وتعليمهم. 

مفهوم التنور التكنولوجي:

يبدأ تعريف التنور التكنولوجي بتعريف التكنولوجيا التي يُنظر إليها على أنها جميع التعديلات التي قام بها البشر في البيئة الطبيعية لأغراضهم الخاصة، مثل: الاختراعات والابتكارات والتغييرات التي تهدف إلى تلبية احتياجاتنا لكي نعيش حياة أطول وأكثر إنتاجية. ويشمل هذا التعريف الواسع للتكنولوجيا مجموعة واسعة من الأدوات، بدءًا من الأدوات القديمة (العجلات، والرافعات) إلى التكنولوجيا الفائقة (الحواسيب، والوسائط المتعددة، والتكنولوجيات الحيوية) (3).

وفي ظل النظرة الواسعة لمفهوم التكنولوجيا، تُعرف الجمعية الدولية لتكنولوجيا التعليم التنور التكنولوجي بأنه القدرة على استخدام التكنولوجيا وإدارتها وتقييمها وفهمها، فالشخص المتنور تكنولوجيًا يمتلك القدرة على فهم طبيعة التكنولوجيا، وكيفية تصميمها وإنشاءها، وكيفية تشكيلها للمجتمع، وكيف يشكلها المجتمع (4). وتعرفه رابطة مديري تكنولوجيا التعليم بأنه القدرة على استخدام التكنولوجيا المناسبة بطريقة مسئولة للتواصل وحل المشكلات، والوصول إلى المعلومات وإدارتها ودمجها وتقييمها وإنتاجها؛ لتحسين التعلم في جميع المجالات الدراسية، واكتساب المعارف والمهارات مدى الحياة في القرن الحادي والعشرين (5).

ومن ثم يتضح أن التنور التكنولوجي ليس مجرد معرفة الفرد للحاسب الآلي أو الأجهزة التكنولوجية المتنوعة، فهي تعني ببساطة الحد الأدنى من المعارف والمهارات والاتجاهات التي تمكن الفرد من التعامل مع تطبيقات التكنولوجيا الحديثة والمستحدثة، والتعامل معها إيجابيًا بما يحقق أقصى استفادة له ولمجتمعه، وبما يرسم له الحدود الأخلاقية والاجتماعية لاستخدام تلك التطبيقات والآثار السلبية التي قد تعود عليه وعلى مجتمعه عند تجاوز تلك الحدود (6).

أبعاد التنور التكنولوجي:

يتصور البعض أن المعرفة بالتكنولوجيا كافية لأن يصبح الفرد متنورًا تكنولوجيًا، ولديه من القدرات والإمكانات ما يتيح له الاستخدام الفعال والهادف لها، ولكن الحقيقة أن المعرفة مجرد بُعد من أبعاد التنور التكنولوجي الذي يضم إلى جانب المعرفة أبعادًا أخرى تتكامل معها، وهي كالتالي(7):

– البُعد المعرفي: يشتمل المعلومات اللازمة لفهم طبيعة التكنولوجيا، وخصائصها، ومبادئها، وعلاقتها بالعلم والمجتمع، والقضايا الناتجة عن تفاعلها مع العلم والمجتمع، كما يشمل المعلومات الأساسية حول تطبيقات التكنولوجيا، وطرق التعامل معها، وحدود استخدامها، هذا إلى جانب تصويب الأفكار والمفاهيم الخاطئة لدى الأفراد حول التكنولوجيا وتطبيقاتها.

– البُعد المهاري (العملي): يشتمل المهارات العقلية، والعملية، والاجتماعية اللازمة للتعامل مع التكنولوجيا، وتطبيقاتها على النحو الإيجابي الصحيح.

– البُعد الوجداني: يشتمل الوعي، والحس، والميول، والاتجاهات، وأوجه التقدير المرتبطة بالتكنولوجيا وتطبيقاتها.

– البُعد الاجتماعي: يشتمل كافة الخبرات حول الآثار والنتائج والقضايا الاجتماعية، والتغييرات الاجتماعية السلبية والإيجابية الناتجة عن العلم والتكنولوجيا، ومدى انعكاس ذلك على العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية لأي مجتمع.

– البُعد الأخلاقي: يشتمل ترسيم الحدود الأخلاقية للتعامل مع التكنولوجيا وتطبيقاتها، والالتزام بتلك الحدود، وعدم تجاوزها، وحسم القضايا الجدلية والشرعية والقانونية التي قد تنتج عن تجاوز تلك الحدود.

– بُعد اتخاذ القرار: يمثل أهم أبعاد التنور التكنولوجي، حيث يؤثر في الأبعاد الأخرى، ويتأثر بها، ويركز على تأهيل الفرد العادي وتدريبه وإكسابه القدرة على اتخاذ القرارات، وإصدار رأي أو حكم صائب عند مواجهته لأي موقف أو مشكلة أو قضية ذات صلة بالتكنولوجيا، حيث يكون على الفرد اتخاذ القرار المناسب من خلال عملية انتقاء أو اختيار منطقي بين مجموعة من الحلول أو الأحكام أو الآراء البديلة، والمفاضلة بينها.

معايير التنور التكنولوجي:

حددت الجمعية الدولية للتكنولوجيا في التعليم معايير أساسية للتنور التكنولوجي، والتي تعد بمثابة خريطة لتطوير نظم التعليم، ومساعدة المهتمين بالتربية على تحقيقها لدى الطلاب؛ ليكونوا قادرين على التعلم في العصر الرقمي، وتتلخص هذه المعايير فيما يلي (8):

– يستفيد الطلاب من التكنولوجيا للقيام بدور نشط في اختيار وتحقيق أهداف التعلم.

– يتعرف الطلاب على حقوق ومسؤوليات، وفرص العيش والتعلم والعمل في عالم رقمي مترابط، بحيث يتصرفون بطرق آمنة وقانونية وأخلاقية.

– يقوم الطلاب بتنظيم مجموعة متنوعة من الموارد بشكل نقدي باستخدام الأدوات الرقمية؛ لبناء المعرفة والإبداع، وجعل تجارب التعلم ذات مغزى لأنفسهم والآخرين.

– يستخدم الطلاب مجموعة متنوعة من التقنيات ضمن عمليات التصميم؛ لتحديد وحل المشكلات من خلال إنتاج حلول جديدة أو مفيدة أو خيالية.

– يقوم الطلاب بتطوير وتوظيف استراتيجيات لفهم وحل المشكلات بطرق تستفيد من الأساليب التكنولوجية في تطوير واختبار الحلول المطروحة.

– يتواصل الطلاب بوضوح، ويعبروا عن أنفسهم بشكل إبداعي باستخدام المنصات والأدوات والأنماط والأشكال ووسائل الإعلام الرقمية المناسبة لأهدافهم.

– يستخدم الطلاب الأدوات الرقمية لتوسيع وجهات نظرهم، وإثراء تعلمهم من خلال التعاون مع الآخرين، والعمل بشكل فعال في فرق محلية وعالمية.

وبنظرة فاحصة لتلك المعايير ورصد لواقع طلابنا في المدارس والجامعات تتضح أن كثير منها غائب، وذلك لأسباب متنوعة، بعضها يتصل بطبيعة الطلاب أنفسهم وضعف استخدامهم الفعال للتكنولوجيا في عمليات التعليم والتعلم، وبعضها يتصل بطبيعة المناهج الدراسية وأنشطتها التعليمية التي تغفل البُعد التكنولوجي، وبعضها الآخر يتصل بقدرات المعلمين التكنولوجية وقناعاتهم بأهمية التوظيف التعليمي لها.

المهارات اللازمة للتنور التكنولوجي:

لتنمية التنور التكنولوجي وتحقيق معاييره لدى الطلاب، فإن هناك كثير من المهارات التي يجب أن يتمكنوا منها، وتحتاج إلى دعم وممارسة من التربويين لتوجيه عمليات التعليم والتعلم نحو تحقيقها، ومنها (9):

– الإبداع والابتكار: تشجيع الطلاب على استخدام التكنولوجيا للتعبير عن أفكارهم الإبداعية، وحل المشكلات التي تواجههم، وبناء المعرفة التي يحتاجون إليها.

– التواصل والتعاون: دعم توظيف الطلاب للتكنولوجيا في التواصل، والتعاون مع الآخرين؛ من أجل تعزيز تعلمهم أو تعلم الآخرين.

– البحث والطلاقة المعلوماتية: حث الطلاب على استخدام الطلاب للتكنولوجيا في البحث عن المعلومات، وتحديث ما لديهم من معلومات.

– المواطنة الرقمية: توعية الطلاب بما يعنيه أن يكونوا مواطنين في العالم الرقمي، ويمارسوا السلوك الأخلاقي عندما يستخدمون التكنولوجيا.

– عمليات ومفاهيم التكنولوجيا: تنمية فهم الطلاب للنظم والمفاهيم التكنولوجية اللازمة لمتابعتهم أحدث تطوراتها وتطبيقاتها التعليمية.

الهوامش:

(1) Orient Planet Research (2016). Arab Knowledge Economy Report 2015-2016. Dubai, UAE. Available online at:

http://www.opresearch.me/gatewayPage.php?id=138

(2) Huawai Technologies Co (2017). Global Connectivity Index. Available online at:

http://www.huawei.com/minisite/gci/en/country_rankings.html

(3) Wonacott, M. E. (2001). Technological Literacy. ERIC Clearinghouse on Adult Career and Vocational Education Columbus OH, ED459371.

(4) International Technology Education Association. (2007). Standards for Technological Literacy: Content for the Study of Technology. Available online at: https://www.iteea.org/File.aspx?id=67767&v=b26b7852

(5) The State Educational Technology Directors Association. (2007). 2007 Technology Literacy Assessment and Educational Technology Standards Report. Available online at:

http://www.setda.org/wp-content/uploads/2015/03/TEchnologyLiteracy2007Final.pdf

(6) ماهر إسماعيل صبري، ومحب محمود كامل (1421هـ). التنوير التقني.. مفهومه وسبل تحقيقه. مجلة العلوم والتقنية. العدد (54)، ص 15.

(7) ماهر إسماعيل صبري، ومحمد أبوالفتوح حامد (2004). تطوير مناهج التكنولوجيا وتنمية التفكير للمرحلة الإعدادية على ضوء مجالات التنوير التكنولوجي وأبعاده. المؤتمر العلمى الثامن للجمعية المصرية

شاهد ايضا

Scroll to Top